٢١ سبتمبر ٢٠٠٥

 

ارفعوا أيديكم عن "الورد اللي بيطلع"


أخطأت سامية – لفرط حسن نيتها في اعتقادي – خطأً جسيما حين استخدمت قصيدة فؤاد حداد "حالة شاذة" في الرد على نقّاد أحمد حداد.

المخاطَب بقصيدة فؤاد حداد كان- على اختلاف الآراء فيه – شخصية ذات حيثية. كان ناقداً ملأ الدنيا وشغل الناس، على الأقل بحكم تصدره لساحة النقد الأدبي لسنوات طوال في الصحيفة اليومية الكبرى في مصر. وكان فوق ذلك شاعراً وإن تباينت الآراء في قيمة شعره. وهو رجل لا نملك إلا أن نقول إنه ترك أثراً في الثقافة المصرية.

فأين "نقاد" أحمد حداد من هذا كله؟ ليس فيهم من يمكن وصفه بأي حال، حين يُفتي في الشعر، بأنه "ذو حيثية". بل إن "الحيثيات" هي ما ينقصهم جميعا على وجه التحديد.

كل ما تأخذه منهم هو أحكام عامة مطلقة. أما حيثيات هذه الأحكام فهي آخر ما يخطر لهم على بال.

بل إن الأمر يصل ببعضهم إلى حد ترديد الشائعات وإثارة الأحقاد ضد أحمد حداد.

قال أحدهم، منذ فترة، أن نشر ديوان "الورد اللي بيطلع" لأحمد حداد كان مجاملة له لأنه حفيد فؤاد حداد وصلاح جاهين. كأنه يريد أن يقول إن الحكاية كلها "كوسة" ومظهر من مظاهر الفساد المستشري عندنا. كأنه يريد أن يقول: انتبهوا أيها السادة.. ماذا يصنع غيره من المبدعين الشباب المساكين الذين شاء لهم حظهم العاثر ألا يكونوا من "السلالة المقدسة"؟

وقيل لهم – ببساطة ووضوح – إن أحمد حداد نشر ديوانه على حسابه الخاص شأنه شأن العشرات من الشعراء والقصاصين الشباب.

ولم يسكتوا.

ما إن نشرت "حدوتة" أغنية له حتى سارع أحدهم ليقول ".. المشكلة في رأيي مقدار الضغط الموضوع عليه نتيجة كونه حفيد أهم شاعرين في تاريخ العامية المصرية – فؤاد حداد وصلاح جاهين، مما أجبره على لبس رداء أكبر من حجمه مبكرا جدا".

ولا أملك إلا أن أتساءل: ما هو هذا الضغط الموضوع على أحمد حداد والذي أجبره على لبس رداء أكبر من حجمه مبكرا جدا؟ من الذي يضغط .. وكيف لبس أحمد حداد رداء أكبر من حجمه؟ هل أصبح "نجم النجوم" الذي تحيط به جماهير المعجبين من كل جانب .. والذي لا تكف الإذاعة والتليفزيون عن إذاعة أغانيه وأشعاره ليل ونهار؟ هل حصل أحمد حداد على جائزة كبرى دون أن ندري .. فأصابه الغرور ولبس رداء أكبر من حجمه؟ ثم .. إيه حكاية "مبكرا جدا" .. أحمد الآن في الحادية والعشرين ولا أحد يقدمه، ولم يسبق لأحد أن قدمه، بوصفه "الطفل المعجزة". أما حكاية إنه "الحفيد"، فدي مسألة تتعلق بشعوره الداخلي.. مش يمكن يكون تأثيرها عليه إيجابي ويدفعه للتجويد عشان يبقى كشاعر جدير، أمام نفسه، بالانتساب إلى فؤاد حداد وصلاح جاهين؟ الله أعلم الحكاية دي بتأثر فيه إزاي.. إحنا ملناش إلا شعره، وما بنحكمش عليه باعتباره "حفيد"، بل باعتباره شاعر شاب اسمه أحمد حداد.

يضيف آخر، بعد أن قرأ إعلاناً عن أمسية شعرية لأحمد حداد: "اللي بيحصل ده عمليات تمجيد لواحد لسه في بداية مشواره الإبداعي.. بصراحة أنا مشفق على أحمد ومن لمة المثقفين والبهلوانات حواليه وتمجيدهم فيه لمجرد إنه واحد من السلالة المقدسة".

رجعنا لحكاية "الكوسة"! ماذا يقصد بـ"التمجيد"؟ هل قال أحد إن أحمد أدرك غاية المراد، وبلغ القمة، وأن عليه أن يكتفي بما وصل إليه؟ هل يقف النقاد في طابور للإشادة به وتمجيده؟ وبعدين إيه حكاية "لمة المثقفين والبهلونات حواليه"؟ أنا شخصيا لم أسمع بأي "لمة" من المثقفين.. وإذا كان هناك ناس معجبين بشعر أحمد حداد ليه نتجنى عليهم ونسميهم بهلوانات؟ هل الإعجاب ده نفاق ومسح جوخ؟ طيب ليه؟ أحمد حداد حيديهم إيه عشان ينافقوه ويمسحوله جوخ؟

واحد تالت بيقول بكل ثقة: "اللي بيفسد تجربة أحمد هو الإصرار على الشعر السياسي". طيب، مين قال إن أحمد حداد مالوش غير شعر سياسي؟ كل الشعراء الكبار ابتداء من هوميروس وانتهاء بفؤاد حداد وصلاح جاهين، ومرورا بالمتنبي والمعري وشيللي وبايرون وإليوت وبابلو نيرودا وأراجون، كان شعرهم مشبع بالسياسة. المهم إنهم كانوا بيكتبوا شعر يتسمى شعر.. بينتجوا لغة شعرية فيها سيطرة على موسيقى اللغة وإثراء لها، وفيها أخيلة جديدة قادرة على استثارة وجدان المتلقي وتغييره. حتى لو اختلفت سياسياً مع شاعر منهم حتلاقيه برضه بيشدك لأن الفن العظيم أكبر دائما من أي إيديولوجية.

طيب، هل أحمد حداد شاعر مناسبات؟ هل هو يفتعل شعر سياسي لإرضاء أحد أو لكسب المال مثلا؟ هل هو شاعر مقاولات بيكتب قصائد سياسية عشان يقولها في العيد الفلاني أو المهرجان السياسي العلاني؟ لأ.. ده اللي بيكتبه هو الكلام اللي ربنا فتح بيه عليه! وإحنا مالناش أكتر من إننا نحاسبه على حاجة واحدة بس: ده شعر ولا لأ.

وبعدين لا أملك إلا أن أتساءل: هل أصبح انشغال الشاعر بهموم ناسه وأهله وتجاوبه مع قضاياهم عارا وخطيئة كبرى؟ هل هناك فرمان صدر بهذا المعنى؟ .. مش كنتوا تقولوا لنا عشان نمسح من ذاكرتنا ثلاثة أرباع الشعر العظيم اللي اتخمينا فيه قبل صدور هذا الفرمان؟

صديقنا الثالث يضيف: "لسه مافيش رؤية والموضوع بيبقى زعيق وتهريج". وأقول صادقا إنني لا أفهم ما يقصد بـ"الرؤية". هل يقصد الرؤية الفنية والسياسية لدى الشاعر أحمد حداد؟ طيب، ألا تتكون هذه الرؤية الفنية لدى أي شاعر من خلال ممارسته للشعر والإثراء المتزايد لتجربته الفنية؟ هل نطالب أحمد حداد بالتوقف عن الكتابة حتى تكتمل أدواته ورؤيته الفنية؟ هل ننصب أنفسنا أوصياء على الشاعر؟ بأي حق وبأمارة إيه؟

أحمد حداد موهبة كبيرة وشاعر واعد. مَعَلِّم في القافية الطيعة المبتكرة التي لا توحي بالجهد والتكلف وتنأى عن الافتعال. موسيقى اللغة عنده بسبيلها إلى أن تتحول، في اعتقادي، إلى عجينة مطاوعة تعطيه نفسها عن رضا، وتهبه من أسرارها ما يستحيل أن يخطر على ذهن الشاعر المتواضع الموهبة.

مازال الطريق طويلاً أمامه؟ نعم! ولكن الكتاب "باين من عنوانه"!

أحمد حداد وريث "السلالة المقدسة"؟ نعم .. شأنه في ذلك شان أي شاعر شاب يحاول اليوم أن يصعد هذا المرتقى الصعب.

أحمد حداد وريث "السلالة المقدسة"؟ نعم .. ولكن بمعنى أنه حفيد الصادقَين اللذين لم يَخُطا حرفاً واحداً لا ينضح بالصدق ولا يدخل هوْنا إلى قلوب الصادقِين كأنما جاء منهم ليعود إليهم.

ما أكثر الصَخَب والضجيج الذي نسمعه في مصر عن قتل المواهب ودفن الموهوبين! وما أقل ما نتذكر ذلك حين نجد أنفسنا أمام واحد من أولئك الموهوبين!

كانت القبائل العربية القديمة تقيم الأفراح حين ينبغ شاعر لها. ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى نفسه اليوم أمام جوقه تعتنق شعار "كرسي في الكلوب"!

ما أشد ما يتملكني من حسرة الآن لغياب أستاذنا الناقد العظيم على الراعي! افتقد كثيرا نهجه في الحنو على المواهب الجديدة والأخذ بيدها، دون أن يحيد عن الموضوعية والصدق قيد أنملة.

أعود لأقول أن سامية قد أخطأت خطأ جسيما. فكل ما يستحقه هؤلاء لا يزيد عن شطرة واحدة من القصيدة، لعلهم يعرفونها جيدا.

مرة أخرى أقول: ارفعوا أيديكم عن "الورد اللي بيطلع"!

٠٢ سبتمبر ٢٠٠٥

 

النضاره (أمين حداد)

(قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر أمين حداد)

ساعات بيتهيألي إني مش لازم ألبس نضاره
وباعرف غلطتي على طول
لما السطور تخش في بعضها
أنا مش مسئول عن اللي حصل
بس مسئول عن اللي ما حصلش
تاريخي بيجبرني على العياط
طول عمري حاسس إن أنا مهزوم
                    وإن أنا مظلوم
والمطلوب دلوقتي إني ما احسش بالظلم
السطور اللي داخله في بعضها بتضم
وبتعصر قلبي
وبتعمل فيه اللي ما يعمل
بتموته بالميات
وبتجرحه بالألافات
وبتهدم له بيوته ... وتقطع له الشجرات
وبترميه بصاروخ متوجه بالطياره
وهو بيطلع م الجامع للحاره
بيحسس في الفجر ومش لابس نضاره
وانا قلبي مش مستحمل
ده يا دوبك أربع حجرات
مقفوله وضلمه
ملمومه ولامه
صور الناس اللي ما بيني وبينهم حكايات
نحكيها لبعض فى أمسيات
حكايات المساكين اللي بيولدوا مساكين
حكايات البساتين ...
اللي بتسكنها جواري وأغوات
والتجار اللي يعدوا عليهم ومعاهم أحباب
ممسوخه بغال وكلاب
حكايات المغارات اللى بتفتح بالسمسم
والغلبان اللي يتمتم
والتعبان اللي يشمشم
                    جوه السرداب
حكايات الأعجام اللي بترطن
والنسوان اللي بتلطم
والعفاريت في القمقم
وملوك تتنكر وتدق على الباب
وملوك مسروره بدم وقطع رقاب
والمطلوب دلوقتي
إني ماحسش بالظلم
ولا أستمتع بسيجاره
والبس نضاره
وادفن وشي في قلب كتاب

____________________
© 2004 أمين حداد
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,