٠٤ سبتمبر ٢٠١١

 

أحلف بنون - فؤاد حداد

يا اهل الأمانة والندى والشوق
يا مجمّعين الشمل في الحضره الزكيّه
أول ما نبدي القول نصلي على النبي
سيّد ولد عدنان رسول الله

المصطفى المختار يقوم الليل
ويقوم معاه المؤمنون الصحابه
وانا معاهم في أنين الربابه
أنا عيني دارت ياما درات عيني
على جموع الذكر والحلقات
ولقيت في قلبي رسم كل الآيات
الله بذكره تطمئن القلوب
إلهي قادر يمحي كل الذنوب
أنا كنت يوم باحلم بكل الزمان
وماشي باستغفر في ألف أدان
ودخلت بيت رحب الفناء والباحه
يا اهل المروءه والكرم والسماحه
يا اهل الأمانه والندى والشوق
الدنيا غرقت كلها في الضوء
والعنبر الطيب وريح الجاوي
والليل سحاب أخضر لطيف الخطاوي
نهر العسل استطعف البساتين
والنخل غنّى والعنب والتين
يا عيني راحت فين ويا عيني صاحيه
يا جنة الله اللي في كل ناحيه

أحلف بنون والمؤمنون
قلب الليله دي أخضر حنون

يا فطره سمحه ونفوس رقيقه
أنا لما جيت أخدم الطريقه
شيخنا اللي عارف سر الحقيقه
بسط يمينه وقال يا مريدي
عينك في عيني وإيدك في إيدي
كل الخلايق أخوات شقيقه

أحلف بنون والمؤمنون
قلب الليله دي أخضر حنون

يا فطره سمحه واخوات شقايق
قال يا مُريدي إن كنت صادق
في بحر عشقك ما تلاقي شاطيء
لا بالقصايد ولا الأغاني
بأي معنى من المعاني
غير الشهيد لا يُسمى عاشق

أحلف بنون والمؤمنون
قلب الليله دي أخضر حنون

خدّني وعادني وجاب وودَّى
قال يا مُريدي شوف أيّ وردة
لا هيّ أكتر ولا هيّ واحدة
مافيش حياة إلا عند غيرك
تعيش في خيره ويعيش في خيرك
مش باقي منا غير المودّه

أحلف بنون والمؤمنون
قلب الليله دي أخضر حنون

عيني رأت فجر طول الليل يناديني
يفتح مياديني
ياخدني مني لكل الناس يوديني
ويردّني في الندى ويقول لي إسعى لي
أقوم من السجده ماشي في طريق عالي
واقرا الضحى في الطريق العالي تهديني

التسميات: ,


٢٨ نوفمبر ٢٠٠٧

 

الجغرافيا الطبية (بهاء جاهين)


بسيطة!
أمسح شجاك من ع الخريطة
بصاروخ موجه للقلوب العبيطة

بسيطة جدا!
كل الأماني علي امتداد البسيطة
أورام..
دواها صاروخ ذكي
مظبوط علي الأوجاع بتظبيطة
وإذا ابتدينا نقول
الكلمة ننطقها تزول علي طول..
مدن حزينة باسمها..

مش قلت لك حزنك بدائي جهول
ومالوش دوا
إلا بسر التكنولوجيا الغويطة
إلا بزر التكنولوجيا المهول؟

بمسح ذري للخلايا النشيطة
سرطانك المجرم خلاص مش غول
قطة أليفة.. قطيطة
تلحس في جير الحيطة
وترتعش في فروها المبلول

*****

نزل المطر كل نقطة مصوبة بإلهام
نام في سلام
وسيب علينا الانتقام
نشفيك من الجرب اللي صاب النهر
نشفيك من الغل اللي في الآكام..
كبر الجبال الأليطة..
وهمهمات اليمام

إديني أول حرف من أي إسم
أفني اللغات وكُتبها، حتي الكلام
عيّان يا عيني بكافة الأوهام..
بتاريخ من الفروسية والإجرام
أشعار صعاليك الآداب اللقيطة

بدال ما تدخل معهد الأورام
أدخل معانا ف حلف
واحلف: برئت من النخيل والحمام
من الرغيف والسميطة
والدقة والأحلام
من الربابة وملحمات زمبليطة
ودخلت في حلف الوئام التام
مخلوق وديع ع الدوام
وخُد دواك بانتظام
كوبالت يمسح البلاد المحيطة
وح ييجي دورك تتمسح
وتنام

*****

مش قلت لك دية عذابك بسيطة


____________________
© 2004 بهاء جاهين - من ديوان "الارتفاع المسموح متر"
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,


٢١ يوليو ٢٠٠٦

 

أمير المؤمنين (إلى السيد حسن نصر الله)

قصيدة جديدة للشاعر تميم البرغوثي

في انقطاعِ الكهرباءْ
تحتَ القصفْ
وحدي في البيتْ
كنتُ ما أزالُ أحاولُ وصفَ الديارْ
خط الأفق متعرج من حطام المباني
والدخان دعاء عابسْ:
ديار ببيـروتٍ وأخـرى ببغـدادِ       عييٌ بها الناعي عييٌ بها الشادي
لقد كنتُ أبكي في طلولٍ لأجدادي       فأصبحت أبكي في طلولٍ لأحفادي


امتدت يدٌ من ورائي
تَعَدَّتْ أربعةَ عَشَرَ قرناً،
رَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِي:
لاتَخَفْ، لستَ وحدَك، ما دُمنا معك فلن تَنْقَطِعْ

وإلتفتُّ فإذا بهم جميعاً هنا
سُكاَّنُ الكُتُبْ
أَئِمَّةٌ وحُدَاةٌ وشعراء
كيميائيونَ وأطبَّاءُ ومُنَجِّمُون
وخيلٌ تَمْلأُ البيتَ وتفيضُ على الشارع
وتخوضُ عِدَّةَ أميالٍ في البحر

وسْطَهم على شاشةِ الفضائيةْ
نَظَرْتُ إليه
أميرُ المؤمنينَ بعمامةٍ سوداء
علامةُ نَسَبِهِ للحُسَينِ بنِ عَليٍّ بنِ أبي طالبْ
ثم إنَّ العربَ إذا طلبت الثأرَ تَعَمَّمَتْ بالسوادْ
ثم إنَّهُ لَفَّ الليلَ عَلَى رأسِهِ وأصبحْ
ثم إنَّهُ ذَكَّرَني،
وكُنْتُ قد نَسِيتُ،
أنني ذو كرامةٍ على الله

مِنْ آلِ بيتِ الرسولِ يـا حَسَـنُ       مَنْ لَو وَزَنْتَ الدُّنيا بهم وَزَنُـوا
جُزِيتَ خيراً عـن أُمَّـةٍ وَهَنَـتْ       فَقُلْتَ لا بأسَ مـا بكـم وَهَـنُ
لِيَذْكُـرَ الصُّبْـحُ أَنَّـهُ نَـفَـسٌ       وَيَذُكُـرَ الليـلُ أّنَّــهُ سَـكَـنُ
وَيَذُكُـرَ الـرُّوح أنَّــهُ جَـسَـدٌ       وَيَذْكُـرَ السِـرُّ أنَّــهُ عَـلَـنُ
ويَذْكُـرَ الطيـنُ أنَّــهُ بَـشَـر       تَذَكُّـراً قـد يشوبُـهُ الشَّـجَـنُ
وأَنَّـه ربمـا اْشْتَهَـى فَـرَحَـاً       وربمـا لا يَـروقُـهُ الـحَـزَنُ
وربمـا لا يَـوَدُّ عِيشـةَ مَـن       أنفاسُـهُ مِـنْ أعدائِـهِ مِـنَـنُ
وأنَّـهُ فـي قتالـهـم رَجُــلٌ       وأنـه فـي جدالـهـم لَـسِـنُ
وقد يُجِـنُّ الجنـانُ مـن رَجُـلٍ       في الحَرْبِ ما لا تُجِنُّـهُ الجُنَـنُ
خليفـةَ اللهِ باْسْمِـكَ انتشـروا       خَلقاً جَديداً من بعـد مـا دُفِنـوا
إنَّـا أَعَرْنـا الأميـرَ أنْفَسَـنـا       وَهْوَ عَليها في الكَـرْبِ مُؤْتَمَـنُ


وامتدَّت اليدُ إلى السماء،
مُتَعَدِّيَةً أربعة عشر قرناً،
ونَزَعَتِ الليلَ عنها برفقْ
نَزْعَكَ الضمادَ أو اللثامْ
فإذا تحته ليلٌ آخرْ
فَنَزَعَتْه أيضاً
وهكذا ليلاً بعد ليلْ،
كأنها تَقْلِبُ صَفَحَاتٍ في كتابْ
وكلَّما قَلَبَتْ صَفْحَةً منهْ
شَفَّت الصفحاتُ الباقيةُ عن كلامٍ ما:
ألا تَرَى النبوءة
سلاحهم يَهوِي
وسلاحنا يَصعدْ

نما لبلابٌ على الصاروخ،
والتفَّ عليه حتى كَسَاه
ثم أزهرْ
صاح وَلَدٌ، الله أكبر
وهوى سقفُ إسرائيلْ
دخلوا إلى الملاجئ،
كالترابِ تحتَ البساط
أصلُ الإنسان تُرابْ
ولكنَّ فرعَه السماءْ
وثمارُه سُكَّانُها
راقبتُ الفضائياتِ وتَذَكَّرتُ،
إنَّ الله، رغم كل شيئ، حقيقةٌ علميةْ

في انقطاع الكهرباء
تحتَ القصفْ
لستُ وحدي
وإن الليلَ أسودُ كالتمرْ
كل ليلةٍ تَمْرة،
وما زالت اليد،
تقطفها تَمْرةً تَمْرةً
وليلةً ليلةً
وإنه ليس بيني وبين الجنَّةِ إلا هذه التَمْراتْ
وامتدَّت يدٌ
مُتَعَدِّيَةً أربعةَ عَشَرَ قرناً
فصافَحَتْني
وبايَعْتُها
وكنتُ ما أزال أحاولُ وصفَ الديار
وأنقل القصيدة من القافية المكسورة
إلى القافية المرفوعة:

ديارٌ تَغَلاَّها مـن الدهـرِ ناقـدُ       تَجَفَّلُ عنهـا كالنَّعـامِ الشدائِـدُ
ديارٌ يَبِيتُ الدهـرُ جَـرْوَاً ببابها       تُلاعِبُهُ عِنْـدَ الصبـاحِ الولائِـدُ
وغيمٌ كطيَّـاراتِ طفـلٍ يَشُدُّهـا       بِخَيْـطٍ فَيُدْنـي بينَهـا وَيُبَاعِـدُ
يَظَلًّ عليها عاكفاً مِثْـلَ مُحْـرِم       يَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَكَّةٍ وَهْوَ وَافِـدُ
وتُنْقَشُ في جُدْرانهـا كـلُّ آيـةٍ       فتَرْتَدُّ في نحرِ الليالـي المكايِـدُ
ومِن حَولِها الخيلُ العِتاق تجمَّعَتْ       بِـلا لُجُـمٍ مُسْتَأْنَسَـاتٌ أَوَابِـدُ
خُيولٌ أطاعـت راكِبيهـا محبـةً       وَلَيْسَ لها حتَّـى القِيَامَـةِ قائِـدُ
وَلَيْسَتْ بأطلالٍ ولَسْـتُ بِشَاعِـرٍ       ولكنَّنـي فيهـا لأهلِـيَ رائِــدُ
أراها قريباً ليسَ بينـي وبينَهـا       سِـوَى قَصْـفِ هـذا الليـل...


____________________
18-7-2006 © تميم البرغوثي
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,


١١ يونيو ٢٠٠٦

 

القرارُ والجواب

(قصة قصيرة لم تنشر من قبل بقلم أمينة عبد العليم)


هَرْوَلْنا من السيارةِ إلى نادي الـﭽاز، ونحن نَزُمُّ المعاطفَ على أجسادِنا نرفَعُ قلانِسَها على رؤوسِنا كيلا تبْتلَّ بمطرِ الشتاءِ المتجمد. غطَّى الجليدُ كلَّ شيء: أسطحَ البيوتِ المائلة وأسقفَ السياراتِ والرصيف، وبدَّدَ لونُهُ الأبْيَضُ مع الغَيْمِ بهْجةَ الرُوحِ المُتَشَوِّقَةِ إلى الشمس.

مِنَ اللَّحْظةِ التي دخلنا فيها دفْءَ النادي، ألمّ بي شعورٌ بأنني تركتُ ورائي ما ألِفْتُهُ من إيقاع. سَيْطَرَ علىّ صَخَبُ المَكانِ وَأَفْقَدَنِي حَوَاسِّي. أَصْواتٌ عالِيَةٌ أَصَمَّتْنِي وأَفْقَدَتْنِي سَكينَتي وشعوري بالاتجاهات. مزيجٌ من رقَعِ طُبولٍ، وَنَفِيرِ سَاكْس، ونَشيجٍ لَحوحٍ من جيتار كهربائي. واجَهْتُ ظلامًا جَعَلني أتَحَسَّسُ طَريقي إلى الطاوِلَةِ بِخُطواتٍ مًضْطَرِبة. بَدَأَ يَحُلُّ فيَّ وَيتغلغلُ في مساربي وقعٌ آخرُ، قاومَهُ جسدي ورفضَ الانصياعَ لَهُ طويلا.

لم تَكُنْ إلا بقعةٌ واحدةٌ من ضوءٍ باهرٍ مُسلَّطةٌ علىّ مُطربةِ الـﭽاز السوداءِ قِبْلة الأَنْظار. مِن عِنْدها يَأْتِي الإِيقاع، وَمِنْ قَرارِ حنْجَرِتِها تَصْدُرُ آهاتٌ أَقْرَبُ إلى صرخاتٍ أَنينِيَّةٍ عَالية، نَشيجٌ عَذْبٌ مُرٌّ في آنٍ معًا، لا يَلْبَثُ أَنْ يؤولَ إلى صَمْتٍ مُحَبْب. صُراخٌ وَصَمْت ثُمَّ صُراخٌ وَصَمْت. مِقْدارٌ موزونٌ بِدِقَّةٍ مِن كِلِيْهِما. صَرَخاتٌ مُزَلْزِلَةٌ مُسَيْطِرةٌ تَحْمِلُ سنواتٍ من العذابِ والقَهْر، وَتَحْمِلُ أيضًا قُوةً ورفْضًا وَتُنْبِئُ بِثوْرَةٍ عَارِمَةٍ مُغَلَّفَةٍ بِصَبْرٍ مَشْحُون. يَتْبعُ الصَّرْخَةَ صَمْتٌ لَحْظِيٌ تَلْتَقِطُ فِيهِ المُطْرِبَةُ أَنْفاسَها وَقَدْ أَعْطَتْ كُلَّ ما لَدَيْها فِي الصَّرْخَةِ الماضِية، وَلمْ تُبقِ داخِلَها إلا الصَّمْت. لَكِنَّها، مِنْ مِقْدارِ النَّفَسِ الذي ادَّخَرَتْهُ لَحْظَةَ الصّمْت، وَقَدْرِ ارتفاعِ يديها في الهواء، وشدَّةِ إغْماضِ عَيْنيها اسْتِعْدادًا، تُنْبِئُكَ أَنّ الصَّرْخَةَ التالِيةَ سَتَكُونُ أًقْوى.

مَفْزُوعَةً بِقُوَّةِ ما سَيأَتِي، أَعْدَدْتُ حَواسِّي لاستقبالِها وأهَّبْتُ نَفْسي لإِحْكامِ السّيْطَرَةِ عَلَى جَسَدِي كَيْلا يَهْتَزَّ اِهْتِزازَ أَجْسادِ الحُضورِ الذينَ بَدَأْتُ أَتَبَيَّنُهُم في الظَّلام. لَكِنَّ الصَّرْخَةَ بَاغَتَتْ جَسَدِي كَالقَذيفة، مَزَّقَتْهُ، وأَفْقَدَتْنِي السَّيْطَرَةَ نهائيًا، فَتَرَكْتُ لَهُ العَنانَ لِيُشاركَ الحُضورَ إيقاعَ اهْتِزازاتِهِم الحَماسِيَّة.

لَمْ أَلْمَحْ أَحَدًا يَنْبُس بِصَوْت، بِما فِي ذَلِكَ الجالسون في البار آخرَ القاعةِ الذين أعْطَوْا ظُهُورَهم لِفتاةِ البار، واسْتداروا بأجْسادِهم إلى الوراءِ تِجاهَ بقعةِ الضَّوء: تَعَلَّقَت الأبْصارُ وهَوَت الأَفْئِدَةُ صَوْبَ بقعةِ الضوْءِ، وكأنَّها شُدَّتْ جَمِيعًا بِخُيوطٍ خَفِيَّةٍ تَجْتَمِعُ أَطْرافُها بَيْنَ يَدَيَّ الْمُطْرِبَةِ السَّمْراءِ التِّي رَاحَتْ تُنَغِّمُ آهاتِها القويَّةَ فِي دَفَقاتٍ مُتتابِعَةٍ هَذِهِ المَّرة. قُوَةٌ مَشوبَةٌ بِالحِزنِ صَاعِدَةٌ مِنْ أَعْمَاقِ الأَعْماق، هِي مِنْ قُوَةِ الطَّبيعةِ هِيَ مِنْ قُوَةِ الإِرادَةِ وَمِنْ قُوَةِ الصُّمود.

ما كانَتْ تَقُولُهُ قَبْلَ الآهات: "الماءُ والزيْتُ لا يمْتَزِجان". هل هي صرخةُ احتجاجٍ من امْرَأَةٍ أَحَبَّ رَجُلٌ أَبْيَضُ صَدْرَها الثَّرِيَّ وَرِدْفَيْها الوافِرَيْن؟ تمتعَ بِها بِقُوةٍ تُعادِلُ قُوَّتَها الإفريقية، ثُمَّ رَفَضَها بَعْدَ أَنْ خَبَتْ شَهْوَتُهُ؟ أَذَلَّها وَأَنِفَ أَنْ يَكونَ لَهُ مِنْها أَوْلادٌ بِأنفٍ أَفْطَسَ وَشَعْرِ كَثّ؟ هَمَسَ لِي صَدِيقٌ يَعْرِفُ المَكانَ جَيِّدًا أَنَّ مُؤَلِّفَ الكَلِمَاتِ حَاضِرٌ ذلِكَ المَساء، وأَشَارَ لِي إِلَيْه. نَظَرْتُ إِلَيْهِ مِنْ خِلالِ سحاباتِ الدُّخانِ الصّادِرِ مِن سِيجارِتِهِ. كَانَ مُلَوَّنًا، يَجْلِسُ وَحِيدًا وَيَرْتَدِي بَدْلَةً بُرتُقاليةً داكِنة ونَظَّارَةً سَوْدَاء. تَعَجَّبْتُ مِنْ مَنْظِرِهِ، وَبَدا لِي في رُكْنِهِ البَعِيدِ كَجُزْءٍ مِنْ مَشْهَدٍ هوليوديّ.

بعدَ الآهاتِ، عَادتْ المطربةُ إلى "الماء والزيت لا يمْتَزِجان". قالتْها مائةَ مرَّةٍ، لَكّنْ بِتتابُعٍ سريعٍ. هلْوساتٌ محمومةٌ، تبدأُ من القَرارِ ثُمَّ تَصْعَدُ لِتَصِلَ إِلى ذِِرْوةٍ رَفِيعَةٍ حَادّّة. تَقُولُها مرّةً مِن القرارِ وَمرّةً أَقْربَ إلى السُوبْرانو، وكأنَّها تُرِيدُ أَنْ تُجَسِّدَ بِصَوْتِها الازْدِواجِيّةَ المُسْتَحِيلةَ بَيْنَ الزَّيْتْ والمَاء، بِالمُراوحةِ بيْن القَرارِ والجَواب.

تَأَمَّلْتُ وُجوهَ الجَالِسينَ حَوْلِي: كَانَ أَغْلَبُهُم مِنَ الْمُلَوَّنِينَ وَالسُّود. أَخَذَتْ أَجْسَادُهُم، بِدورِها، وَكَأَنَّما سَرتْ إِلَيْها الحُمَّى، تَهْتَزُّ اهتزازاتٍ أَقٍرَبَ إِلى الزَّار. تَعْلو الموسيقى وَيُسرعُ الإيقاع. يَبْدأون في النهوضِ، وكَأَنَّهُم يُمارِسونَ طَقْسًا جَماعِيًّا، الإِيقاعُ فِيهِ هُوَ السَّيِّد، ولا مَفَرَّ مِنْ سَطْوَتِهِ. يُرْسِلُ إِشاراتِهِ إلى الوَعْيِ وما تَحْتَ الوَعْي، فَتُطِيعُهُ الأَوْصَالُ وَالأَكْتافُ والأَرْدافُ والأَقْدامُ، يَحِلُّ بِها وِيِسْكُنُها كَالشُّعاعِ تَتَخَلّلُهُ ذَرّاتُ الغُبار. يَنْضَمُّونَ مَعًا كَمَوْجَةٍ دَافِقةٍ يَرْقصونَ بارْتِجالٍ وتِلْقائِيَّةٍ رَقْصَةً تَجيشُ بِالْحَياةِ، لَكِنَّها لا تَخْرُجُ أَبَدًا عَنْ حُكْمِ ضَرَبَاتِ الإيقاع. تَتصاعَدُ الموسيقى وَتُسْرِع، وَمَعْها تَزْدَادُ تَماوُجاتُ الأَجْسادِ عُنْفًا، وَتَمِيلُ الأَعْناقُ وَتَنْتَفِضُ الرُّؤوسُ يَمْنَةً ويُسْرة، وَقَدْ زاغَتْ العَيونُ وَلاذت العُقولُ بالمُطْلَقِ اللامَحْدودِ حَتّى لَحْظَةِ الصَّمْتِ الأَخير.

____________________
© 2006 أمينة عبد العليم
القصة منشورة بتصريح من المؤلفة.

التسميات: ,


٠٤ مايو ٢٠٠٦

 

أمنا الغوله (أمين حداد)

(قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر أمين حداد)

سَلامَكْ حَمامَكْ يحميك في أول قُدُومَك لحضرتها
إياك تفكر إن شجاعتَك تقدر على زغرتها
خليك مؤدب
بصوتك وحركاتك
وافتكر دايماً في صلاتك
تدعي لها دعوه مؤمنه
وما تقولّهاش إلا ....
                   .... يا أمنا الغوله

قدام عشتها قاعدة تفلّي نفسها من السمسم
وشفايفها تتمتم
بأغنيه قديمه
غنتها لحبيب مجهول في دنيا مجهوله
أيام ما كانت صبيه بتستحمى في النهر وسط التماسيح
ووشوشات الشجر تسبيح

يا أمنا الغوله
غربالك المتعلق
ياما نَخَلْ في دقيق جاي لك من الطواحين
وإيديكي طبت عجين في ماجورك المكسور
وياما عشتي ليالي مسحورة
تحت القمر بترَجَعي الصورة

يا أمنا الغوله
من إمتى ما نمتيش
من امتى اسمك أم
من امتى العيال لما يشوفوكي ما ينطقوش
خايفين قوي من شعرك المنكوش
من إمتى جنبك هدوم لغلابه متاكله
والاّ انتي ثكلى
يا أم يا مغلوله

اللبن في بزازك ... فاضح حنانك المدفون
وخدودك المبلوله ... تكشف دموع الحنين
وتمتماتك أغنيات تهنين
إلى عيال ضايعين
أو عيال مقتوله

يا أمنا الغوله
أنا بارتمى فى حضنك
من غير ما اقولك سلام

____________________
© 2005 أمين حداد
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,


 

بيت (بهاء جاهين)

(قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر بهاء جاهين)

كان باني بيت
بين النبيت والأوزو والبربون
كان بيت على المينا
لأ كان ف ريح المدافن
لأ.. بيت في حضن الجناين
كان بيت معجِّز بس بجنينه
له باب مصدِّي وطير وشجرة فل
كان جنب قسم الشرطة، له شباك حديد
تتباع ما بين قضبانه روح الخَدَرْ
ورا ضريح الست ..
كان أي بيت
ماكانش خالص
والاّ كان وماكانش؟

قُصْرْ الكلام
كان ساكنه قسيس أورثوذوكس
ظابط شيوعى سرًحوه م الجيش
باحث چيولوچى
له في المباحث ملف
وفي الرمال سراديب
كان ساكنه متشرد من المجاذيب
كان ساكنه جوز عصافير كناريا
كان ساكنه ست عجوزه
مستنيه جرس الموت
كان ساكنه صوت..
صوت عميق مرعب
كان ساكنه بير
كان ساكنه فكرة قصيده
كان فاضي
للتمليك وللتأجير
ماكانش أصلاً
والاّ كان وماكانش؟

قُصْرْ الكلام
طول عمره بيت مشبوه
كان نادي للعمال
لأ.. مغسلة أموال
كان مدرسه للأسى
وحضانه للأسرار
وكان مُدار لقمار
الكل فيه خسرانين
كان مكتبة عميان في راس التين
لأ.. في الصومال
مخزن عيون مبرقين
عضم ولبن أطفال
والا ماكانش؟
كان
زى رعشة عود
واللي بناه عواد قديم ما حصلش

____________________
© 2006 بهاء جاهين
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,


٢١ فبراير ٢٠٠٦

 

أقرأ وأتذكر وأقول


أغراني ما كتبته «سامية» عن «حازم شاهين» بأن أفترش ”البساط الأحمدي“، على ناصية «الشارع الأدبي»، لأقرأ، وأتذكر، وأقول.

تصادفني في زياراتي للمدونات أصوات تمس أوتاراً في نفسي. أتوقف عندها وأعود إليها كثيراً. تبهرني إلتماعات الذكاء والصدق، فأطيب نَفْساً وأقر عيناً وتتفيأ السكينةُ الراضيةُ شغاف قلبي.

أقرأ، ثم أعاود القراءة. فإذا استدرجني النص بذكائه إلى عالمه، وانعقدت الأُلفة بيننا، تقاطرت التداعيات. ولما كان ”البساط أحمدياً“ فإني أطلق لها العنان، أو قل إنها تُطلق لنفسها العنان.

أتذكر.

أقرأ، وأتذكر، ويخطر لي أن أقول ما قرأته وتذكرته، فتُطلق - التداعيات- لنفسها العنان مرة أخرى. ويخطر لي، عندئذٍ، أن أجمع هذا كله - التداعيات وتداعيات التداعيات!- في نص واحد. لا أخجل من عرضه عليكم كما هو، فكلنا أخوة ورفاق طريق.

حاولت، بطبيعة الحال، أن أضفي على ما أقوله شيئاً من نظام، مستعيناً بأدوات بسيطة، لا تخفى دلالتها على القارئ، أهمها الأقواس التي استخدمت نوعين مختلفين منها.

***
لا تربطني بمن أنوي الحديث عن نصوصهم معرفة شخصية من قريب أو من بعيد. ولا مطمع لي سوى أن أشرك من يتيسر لي إشراكهم من ’أصحاب النصيب‘ في الفرحة التي غمرتني لدى قراءتي لنصوص بعض المدونين.

العمل الأدبي الجيد يعطينا، فيما أعتقد، الفرحة أولاً، أما العمل الأدبي العظيم فيعطينا الفرحة والمعرفة معاً. وبعض من قرأت لهم من أصحاب المدونات يسيرون، أو يصعدون، فيما آمل وأرجو، في هذا الطريق. قلبي معهم!

لا أكتب ابتغاء مرضاة أحد ولا سعياً إلى إغضاب أحد.

أقول ما عندي ورزقي على الله.

لا أفرض ذوقي على أحد، والمثل يقول: ”لا مشاحة في الذوق“!

ناقد الأدب، كما يقول شيخنا «يحيى حقي» ”يعلم أنه لا يدلي بأحكام قاطعة... إن أرضاه أن يقبل وجهة نظره إناسٌ فلا يحزنه أن يرفضها إناسٌ آخرون، يكفيه حسن نيته..“.

هذا ناقد الأدب، فما بالكم وأنا مُجرد ’قارئ‘!

وأبدأ هذه المرة بقراءة بعض النصوص من مدونة «رنك» فأقول:


تبارك الوهاب ونعم الهبة!



إيمانٌ صاف بلا كدر، إخلاصٌ للحق وحده.

أستعذبُ الصوتَ الرافضَ للقبح والتعصب والرياء:

”نسمع الآذان ويبدو لي، كما في دمشق، أن أصوات المؤذنين السوريين جميلةٌ جدا وأتحسر على أصوات مؤذني مدينة الألف مئذنة. يُتبع المؤذنُ الآذانَ بالصلاةِ على النبي. فأردد وراءه وأتعجب على معارك تكبيرات العيد وصلواته في بلادي. ختاماً يقول المؤذن: ’الصلاة والسلام عليكم يا أنبياء الله‘. نردد الصلوات والسلام وأنا أنظر إلى حلب الشهباء التي أحببتها“.
.......
”المشاكل الطائفية ترعبني وتزعجني. أخاف منها جداً لكن ربنا كريم“.
.......
”وأدخل رواق القبة لأجد أنه لا فصل واضح ولا رجل ما يشير إلى مكان الصلاة المخصص ’للحريم‘. في بساطة تصلي النساء في آخر الرواق ولا ينظر إليهن الرجال. وهو في رأيي الجامع كما يجب أن يكون“.

***
تبهرني البراعةُ في العناوين: ”هل قتلته من أجلها؟“ - ”إسكندرية تاني وآه من العشق ياني“ - ”ونجوم الليل تنثر“ - ”أياً من الجنتين قصدت؟“ (هناك هنات في النحو، وربما أيضاً في استخدام بعض أسماء الإشارة، لكنها لحسن الحظ قليلة لا تفسد متعة القارئ المنصف).

تبهرني أيضاً فسيفساء الجمل القصيرة، اللغة الشفيفة غير المثقلة بالزخرف المتكلف:
”يغمرني شعورٌ لطيف عند مدخل حلب. لهذه المدينة وقعٌ جميلٌ على النفس“.
.......
”لم نعد نرى النجوم في سماء القاهرة بسبب تلوث الهواء. أراها خارجها في مجموعات مضيئة ساحرة ويتعلق نظري بالسماء في ذهول. أحبها جداً“.
.......
”للأسماء سحر! كل هذا الجمال في اسم واحد؟: أبو النجم بدر الجمالي“.
.......
تأخذني كذلك المراوحةُ الذكية بين المضارع والماضي، وبين الجمل الاسمية والجمل الفعلية، بل والاستخدام الخاص لبعض حروف الجر! : ”وأتعجب على (وليس ’من‘ أو ’لـ‘) معارك تكبيرات العيد“ - الاستخدام مستعار من العامية: ”عجبي عليك يا زمن!“، ولكنه في هذا السياق يبدو جميلاً. والأجمل منه قولك: ”في بساطة تصلي النساء“ وليس ”ببساطة...“ كما يذهب الاستخدام الشائع المأخوذ عن الترجمة من لغات أخرى (simply - simplement, avec simplicité). حرف الجر ”في“ يفيد في العربية الوعاء والظرف وما قُدِّر تقدير الوعاء. يقول «سيبويه»: ”أما في فهي للوعاء، تقول: هو في الجراب وفي الكيس وهو في بطن أمه“. حين تقولين: ”في بساطة تصلي النساء“ يشعر القارئ بأن البساطة - البعد عن الزخرف والتكلف- تستغرقهن و تستوعبهن وتحيط بهن من كل جانب: إخلاص للحق وحده!

***
يسري في مدونة «رنك» نفسٌ واحد، شعورٌ واحد ”جال في النفْسِ مجالَ النَفَسِ“: إن الله جميل يحب الجمال!

[ سدد السهم فأصمى إذ رمى
في فؤادي نبلةَ المفترسِ ]

***
في ”هل قتلته من أجلها“

أتوقف مع الحمام الأزرق على العقود الزخرفية. أبتسم معك وأوحد الله. أحس بأغنية «صلاح جاهين» البسيطة العذبة وقد غدت - في كتابتك- جزءاً من نسيج المئذنة، من لحمتها وسداها، سُقيا - المئذنةُ والشعر- من نبعٍ واحد:

ســلامــات يـســعد صـبــاحك“ : تحيتان متعانقتان، التحيات لله، عِقدٌ من عقود المئذنة (العِقد والعنق!)، السينان ثم الصاد، ثلاثة أصوات مهموسة: عذوبةٌ صافية وتسبيحٌ خاشع أمام المئذنة الشامخة ”الطاغية الحضور“. حروف المد الثلاثة (الفتحات الطويلة الثلاث كما يقول النحاه): أيادٍ ممدودةٌ ترتقي - صوتاً وصورة- سلم السماء!

***
[ ترتقي عيناي المئذنة، تصعدان مرة جديدة ثم ثالثة مع تكرار الفتحتين الطويلتين. أتطلع، معه ومعك، إلى السماء، وأقول:”دي بلدنــا خد براحك“. ثم، وأصداء الأغنية تأتي من بعيد، أُحلق. ما أجمل التحليق وما أجمل البراح! ثم أعود لأقول معكما، في ذلك اليوم البارد الجو الغائم السماء: ”يا حمــام وافرد جنــاحك“.

يصعد صوتٌ بداخلي، نقول جميعاً: ”يا وطن وافرد جناحك!“ أليست ”دي بلدنا“؟ تَرِدُ على خاطري قصةٌ جميلة لـ «ديستوفيسكي» قرأتها منذ سنوات، تتحدث عن سجناء تعلقت آمالهم بتحليق نسر في السماء!

يسلم إن شاالله. ]

***
تنهض في ذاكرتي أصداء بيت قديم:

”ألا يا حمامات اللوى عُدْنَ عودةً     فإني إلى أصـواتكن حـزينُ“
***
اختيار هذا المقطع بالذات، دون غيره، من أغنية «صلاح جاهين»، في سياق وصفك للمئذنة في جامع حلب، ينم عن ذائقةٍ مرهفةٍ وتبصر واعٍ بأهمية البنية الصوتية في إنتاج دلالة النص.

[ فرحت فرحاً غامراً حين عثرت، بعد أيام من كتابتي لهذا النص، على مقال لـ«فؤاد حداد» يتحدث فيه عن شعر «صلاح جاهين»، فيقول: ”وتطير في الأعالي مُنتشياً عندما يقول: ’يا حمام البر سقف‘“. الحمد لله. القلوب عند بعضها! ]

***
قَد  زُرتُهُ   وَسُيوفُ   الهِندِ   مُغمَدَةٌ   *   وَقَد   نظَرتُ   إِلَيهِ   وَالسُيوفُ   دَمُ 
فَكانَ   أَحسَنَ   خَلقِ    اللَهِ    كُلِّهِمِ   *   وَكانَ أَحسَنَ ما  في  الأَحسَنِ  الشِيَمُ 
فَوتُ   العَدُوِّ   الَّذي   يَمَّمتَهُ    ظَفَرٌ   *   في   طَيِّهِ   أَسَفٌ    في   طَيِّهِ   نِعَمُ 

تقول الكاتبة ”هذا البيت الأخير من أبيات «المتنبي» التي تذهلني وأتذكرها كثيراً“: ”البيت“ وبعدها ”أبيات“ ثم تنتهي الجملة بنقطة. وفي أول السطر التالي نقرأ: ”بنى نور الدين الشهيد...“ ثم تتكرر كلمة ”تحصينات“ مراراً في الفقرة ذاتها مثلما تكررت في الفقرة السابقة لها.

جميل جدا هذا المزج بين الأبيات والبناء والمباني. جميل جداً المزج بين القلاع والحصون وهذا الموج المتدفق بقوة مع التكرار المتلاحق للألفاظ في شعر «المتنبي»:

قد زرته وسيوف... وقد نظرت إليه والسيوف...
ثم ”فكان أحسن... وكان أحسن ما في الأحسن...
ثم... ”ظفر... في طيه أسف في طيه نعم
موسيقى اللغة تجاوب موسيقى العمارة: الأذن ترى والعين تسمع!

ثم القلاع والحصون و”السيوف دم“!

ما شاء الله! هل جاء هذا كله عفو الخاطر؟

يخامرني - لفرط العذوبة- شعور قوي بأنها السليقة، لكنها السليقة المتشربة لكل ما هو جميل، المدربة بالجهد والعناء والصدق مع النفس..

***
في ”عبرة وجمال“

”دخلتُ القبةَ... وألقيتُ السلام عليكم يا صلاح الدين“. لم تقولي:”وألقيتُ السلامَ على صلاح الدين“ أو حتى ”وقلتُ السلام عليك يا صلاح الدين“. كأني بك ماثلة بين يديه. تخاطبينه بصيغة المخاطبين الحاضرين. ولكل مقامٍ مقال! من جلال الرجل العظيم وهيبته ووقاره، ومن أدبك وكرم قلبكِ، قلتِ: ”عليكم“!

[ صيغة الجمع هذه دمعت معها عيناي. قلت لنفسي: ”الحمد لله. هذا وطنٌ لا يضيع الفضل فيه!“ ]

ثم تعودين - مراعاة لخاطره وتواضعه- فتخاطبينه بصيغة المفرد، لترفعي من قدره (وقدرك عند القارئ) أكثر وأكثر! ما أجمل روحك!

***
أتوقف أخيراً عند ذكرك للمصادر. أقول لنفسي: لا يبدو في كثير مما كتبتْه شيءٌ غريب عنها. كل ما أخذتْه من الغير ذاب في نسيج كتابتها. تشرب روحها. أستغرب، للوهلة الأولى، حرصك على ذكر المصادر خاصة وأنت تنسبين، في المتن ذاته، النصوص المقتبسة إلى أصحابها، وليس في كتابتك ما يوحي بشيءٍ آخر مأخوذ مباشرة عن الغير. هذه أمانةٌ نادرة في عصرٍ يسرق فيه أساتذة (!) أعمالاً لآخرين وينسبونها، بلا حياء، إلى أنفسهم.

كان الدعاء المحبب لـ«محيي الدين بن عربي»: ”يرزقنا الحقُ الحياءَ منه“. وقد رزقك الحقُ الحياءَ منه.

***
طابت النفس وقرت العين، فالحمد لله أولاً وأخيراً والشكر لك!

التسميات: ,


٠٥ فبراير ٢٠٠٦

 

أكذوبة الفعل المضارع (أمين حدّاد)

(قصيدة لم تنشر من قبل للشاعر أمين حداد)

جرب ابتسامتك في الضلمه
اشرب الخمور الفواره
ارضع من حنينك أغنيه
من كل البيوت اللي بتسهر
شباك الجيران اللي موارب
هو اللي اشتبك مع نظراتك
حاول تفتكر أيها مطلع
مش حتلاقي أجمل من كلمة
الفعل المضارع أكذوبه

اطمن على الطفل النايم
روح الشغل وانت بتتاوب
خد نفق العروبه .. صلاح سالم
اضحك من غباوة أيامك
الفعل المضارع أكذوبة

لو جدك بيشرح للطلبة
فى مدرج اتملا بالطرابيش
ليه والدك عجوز بالجلابية
بيصور ورق في ميدان لبنان
الفعل المضارع أكذوبة

في كل الساعات الرقمية
وفي كل اللي موانيها عقارب
الماضي الشره عمال يبلع
مستقبل حياتك وما يشبعش
بيطبطب على كرشه وعارف
حتمية سقوط التفاحة
الفعل المضارع أكذوبة

مش بكره أكيد كان بيشقشق
واختار ينسحب يبقى امبارح
مش الشعر ده كان جوه كتاب
ليه فتحته واتخضيت منه
أنا ميت قديم في تراب أقدم
والفعل المضارع أكذوبه

____________________
© 2004 أمين حداد
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,


٢٦ ديسمبر ٢٠٠٥

 

لآلئْ أهْل الخِرْقَةْ (بهاء جاهين)

لا أشربُ الخَمْرَ .. لا زُهْداً ولا طَاعَةْ
ولكن لأن دَمِي نَبيذٌ مُعَتَّقْ.

حَسِبْتُ أن لي في القَبرِ رَوْضَةً
فرأيتُ أنني.. أنا رَوْضَةُ قَبْري.

لا أفتحُ البَابَ ولا أُغْلِقُهْ
أترُكُهُ مُوَارَبَاً.. ليَدْخُلَ حَبيبي.

الوجودُ الفِعْليُّ ما الوجودُ الفِعْليّْ؟
إنهُ اللَحْظَةُ التي أنتَ فيها.

الوَاقِعُ ما يَقْعُ على الثَوْبِ فيُغسَلْ
والوَهْمُ.. هوَ احْتِرَامُ الوَاقِعْ.

لو أن لي ألفاً من الأجنحةْ
لاخترتُ الجُلوسَ على الرَصِيفِ.. غائباً.

لأنني مَلِكٌ.. وشَحَّاذٌ
لا أعْرِفُ الفَرْقَ بينَ الشَحَّاذِينَ والمُلُوكْ.

كُلُ مَا تُنبتهُ الأرضُ هَشيمٌ مُحْتَرِقْ
وكُلُ مَا يَدْخُلُها عُرْسٌ ودُفْ.

مِيلادي سَيَأتي، وجِنَازَتي
تَسيرُ أينَما سِرْتْ.

التَفَتُحُ القَاسِي لقَلبِ وردةْ
أشَدُ بَطْشاً بها من الذُبُولْ.

إن كُنْتَ دَاءً أيُها المُقْتَحِمْ
فلعنةُ اللهِ على الدَوَاءْ.

أدْمَاني حَريرُ الثَوْبِ
فَلَبِسْتُ خِرْقَةُ صُوفْ.

سَعِيدٌ.. لأني بِلا مَأوَى
والسَمَوات والأرض بَيْتِي.

أتَسَوَلُ الرَغِيفْ
وفي قَلبي خَزَائنُ السَلْطَنَةْ.

لَيْتَ الحَبيبُ يَزورُنْي مَرَةْ
فَقَدْ غَابَ عَنْي.. دقيقةْ.

حَبيبي أَضْألُ زَهْرةٍ في المَرْجْ
في قَلبِها.. تَدُورُ أقْطَارُ النُجُومْ.

سألتُُ حَبيبي.. ما اسْمُك؟
فَغَادَرَني.. ولا اسْمَ لي.

أجْمَلُ الغِنَاءْ أن تُغَني
حَتَى تَصِيرَ أنتَ الأُغْنِيَةْ.

الشمسُ تَدْخُلُ من شُبَّاكٍ قَديمْ
فيُنيرُ بِها الرَصِيفُ.. في هذا الليْلْ.

قَبَضْتُ كَفْي على بَعْضِ الحَصَى
وفَتَحْتُها.. فإذا فيها عُشرونَ لؤلؤةْ.

____________________
بهاء جاهين - من ديوان: حكاية المُهلهل مع ملك الزمان

التسميات: ,


١٣ ديسمبر ٢٠٠٥

 

صدور الجزء الأول من الأعمال الكاملة للشاعر الكبير «فؤاد حداد»


الكتاب متوفر لدى باعة الجرائد والمكتبات
سعر النسخة: 7 جنيهات
طُرحت في الأسواق منذ أيام أولى ثمار مشروع نشر الأعمال الكاملة للشاعر الكبير «فؤاد حداد» في ثمانية أجزاء والذي تتبناه، منذ فترة، الهيئة العامة لقصور الثقافة بالتعاون مع أسرة الشاعر.

يحمل الجزء الأول عنوان «مصر» ويضم ثلاثة دواوين هي: "من نور الخيال وصُنع الأجيال في تاريخ القاهرة" و"كلمة مصر" و"المسحراتي".

أما باقي الأجزاء والتي ستصدر تباعاً بإذن الله فهي كما يلي:

الجزء الثاني: «لازم تعيش المقاومة» ويضم:
1- أحرار وراء القضبان (العنوان الأصلي: أفرجوا عن المسجونين السياسيين)
2- حنبني السد
3- قال التاريخ أنا شَعْري اسودّ (عن شعراء فيتناميين)
4- بقوة الفلاحين وقوة العمال
5- موال البرج
6- استشهاد جمال عبد الناصر
7- قصيدة الحمل الفلسطيني
8- أيام العجب والموت

الجزء الثالث: «المعتقل والحياة» ويضم:
1- رقص ومغنى
2- الأراجوز: يضرب على الوجيعة ويلاقى على الطبطاب
3- الشاطر حسن (بالاشتراك مع متولي عبد اللطيف)
4- الشرط نور (الشقي والعاقل على مزاج الوطن)

الجزء الرابع: «علشان باحب النبي» ويضم:
1- يا أهل الأمانة (العنوان الأصلي: على أعتاب الحضرة الزكية)
2- الحضرة الزكية

الجزء الخامس: «المزاج والقهر» ويضم:
1- لا وانت الصادق (ديوان التسالي بالمزاج والقهر)
2- عيل على المعاش (الشخاليل)
3- ميت بوتيك
4- مواويل من أول الدنيا

الجزء السادس: «العيار الفالت» ويضم:
1- النقش باللاسلكي (ليالي وصباحيات)
2- ريان يا فجل
3- كليم الشيخة أم الآه
4- العيار الفالت (لم ينشر من قبل)

الجزء السابع: «الفصحى» ويضم:
1- أم نبات
2- المُكَاحَلَة والمُعَامَاة (لم ينشر من قبل)
3- لست الأراجوز (لم ينشر من قبل)
4- طيوف الجنة والكوثر

الجزء الثامن: «في الشعر والترجمة» ويضم:
1- الحماسة الجديدة (لم ينشر من قبل)
2- قال الشاعر (لم ينشر من قبل)
3- سبيل الفؤاد وسبيل العين بين ابن الحداد ولافونتين (لم ينشر من قبل)
4- الأمير الصغير (ترجمة - لم ينشر من قبل)

المشروع ثمرة جهود طويلة شارك فيها كل من أسرة الشاعر و«د.أحمد مجاهد» رئيس الإدارة المركزية للشئون الثقافية بهيئة قصور الثقافة وأمين عام النشر. تسارعت هذه الجهود منذ أغسطس 2005 بعد موافقة «د.مصطفي علوي» رئيس هيئة قصور الثقافة على اقتراح «د.أحمد مجاهد» بإصدار سلسلة جديدة للأعمال الكاملة تبدأ بدواوين الشاعر الكبير «فؤاد حداد» بعد الاتفاق مع ابنه «أمين حداد» على نشرها في هذه السلسلة.

يقول «د.أحمد مجاهد» عن هذا المشروع: "لا أظن أن الأعمال الكاملة لفؤاد حداد يجب أن تنشر في مكان آخر غير الثقافة الجماهيرية، ولا أظن أن سلسلة للأعمال الكاملة تصدر عن هيئة قصور الثقافة يمكن أن تبدأ بأعمال مبدع آخر سوى فؤاد حداد، فهو مسحراتي الوطن وشاعر الشعب، الذي عبر عنه، وصارت قصائده جزءا حقيقيا من روحه ووجدانه".

التسميات: , ,