٢١ يوليو ٢٠٠٦

 

أمير المؤمنين (إلى السيد حسن نصر الله)

قصيدة جديدة للشاعر تميم البرغوثي

في انقطاعِ الكهرباءْ
تحتَ القصفْ
وحدي في البيتْ
كنتُ ما أزالُ أحاولُ وصفَ الديارْ
خط الأفق متعرج من حطام المباني
والدخان دعاء عابسْ:
ديار ببيـروتٍ وأخـرى ببغـدادِ       عييٌ بها الناعي عييٌ بها الشادي
لقد كنتُ أبكي في طلولٍ لأجدادي       فأصبحت أبكي في طلولٍ لأحفادي


امتدت يدٌ من ورائي
تَعَدَّتْ أربعةَ عَشَرَ قرناً،
رَبَّتَتْ عَلَى كَتِفِي:
لاتَخَفْ، لستَ وحدَك، ما دُمنا معك فلن تَنْقَطِعْ

وإلتفتُّ فإذا بهم جميعاً هنا
سُكاَّنُ الكُتُبْ
أَئِمَّةٌ وحُدَاةٌ وشعراء
كيميائيونَ وأطبَّاءُ ومُنَجِّمُون
وخيلٌ تَمْلأُ البيتَ وتفيضُ على الشارع
وتخوضُ عِدَّةَ أميالٍ في البحر

وسْطَهم على شاشةِ الفضائيةْ
نَظَرْتُ إليه
أميرُ المؤمنينَ بعمامةٍ سوداء
علامةُ نَسَبِهِ للحُسَينِ بنِ عَليٍّ بنِ أبي طالبْ
ثم إنَّ العربَ إذا طلبت الثأرَ تَعَمَّمَتْ بالسوادْ
ثم إنَّهُ لَفَّ الليلَ عَلَى رأسِهِ وأصبحْ
ثم إنَّهُ ذَكَّرَني،
وكُنْتُ قد نَسِيتُ،
أنني ذو كرامةٍ على الله

مِنْ آلِ بيتِ الرسولِ يـا حَسَـنُ       مَنْ لَو وَزَنْتَ الدُّنيا بهم وَزَنُـوا
جُزِيتَ خيراً عـن أُمَّـةٍ وَهَنَـتْ       فَقُلْتَ لا بأسَ مـا بكـم وَهَـنُ
لِيَذْكُـرَ الصُّبْـحُ أَنَّـهُ نَـفَـسٌ       وَيَذُكُـرَ الليـلُ أّنَّــهُ سَـكَـنُ
وَيَذُكُـرَ الـرُّوح أنَّــهُ جَـسَـدٌ       وَيَذْكُـرَ السِـرُّ أنَّــهُ عَـلَـنُ
ويَذْكُـرَ الطيـنُ أنَّــهُ بَـشَـر       تَذَكُّـراً قـد يشوبُـهُ الشَّـجَـنُ
وأَنَّـه ربمـا اْشْتَهَـى فَـرَحَـاً       وربمـا لا يَـروقُـهُ الـحَـزَنُ
وربمـا لا يَـوَدُّ عِيشـةَ مَـن       أنفاسُـهُ مِـنْ أعدائِـهِ مِـنَـنُ
وأنَّـهُ فـي قتالـهـم رَجُــلٌ       وأنـه فـي جدالـهـم لَـسِـنُ
وقد يُجِـنُّ الجنـانُ مـن رَجُـلٍ       في الحَرْبِ ما لا تُجِنُّـهُ الجُنَـنُ
خليفـةَ اللهِ باْسْمِـكَ انتشـروا       خَلقاً جَديداً من بعـد مـا دُفِنـوا
إنَّـا أَعَرْنـا الأميـرَ أنْفَسَـنـا       وَهْوَ عَليها في الكَـرْبِ مُؤْتَمَـنُ


وامتدَّت اليدُ إلى السماء،
مُتَعَدِّيَةً أربعة عشر قرناً،
ونَزَعَتِ الليلَ عنها برفقْ
نَزْعَكَ الضمادَ أو اللثامْ
فإذا تحته ليلٌ آخرْ
فَنَزَعَتْه أيضاً
وهكذا ليلاً بعد ليلْ،
كأنها تَقْلِبُ صَفَحَاتٍ في كتابْ
وكلَّما قَلَبَتْ صَفْحَةً منهْ
شَفَّت الصفحاتُ الباقيةُ عن كلامٍ ما:
ألا تَرَى النبوءة
سلاحهم يَهوِي
وسلاحنا يَصعدْ

نما لبلابٌ على الصاروخ،
والتفَّ عليه حتى كَسَاه
ثم أزهرْ
صاح وَلَدٌ، الله أكبر
وهوى سقفُ إسرائيلْ
دخلوا إلى الملاجئ،
كالترابِ تحتَ البساط
أصلُ الإنسان تُرابْ
ولكنَّ فرعَه السماءْ
وثمارُه سُكَّانُها
راقبتُ الفضائياتِ وتَذَكَّرتُ،
إنَّ الله، رغم كل شيئ، حقيقةٌ علميةْ

في انقطاع الكهرباء
تحتَ القصفْ
لستُ وحدي
وإن الليلَ أسودُ كالتمرْ
كل ليلةٍ تَمْرة،
وما زالت اليد،
تقطفها تَمْرةً تَمْرةً
وليلةً ليلةً
وإنه ليس بيني وبين الجنَّةِ إلا هذه التَمْراتْ
وامتدَّت يدٌ
مُتَعَدِّيَةً أربعةَ عَشَرَ قرناً
فصافَحَتْني
وبايَعْتُها
وكنتُ ما أزال أحاولُ وصفَ الديار
وأنقل القصيدة من القافية المكسورة
إلى القافية المرفوعة:

ديارٌ تَغَلاَّها مـن الدهـرِ ناقـدُ       تَجَفَّلُ عنهـا كالنَّعـامِ الشدائِـدُ
ديارٌ يَبِيتُ الدهـرُ جَـرْوَاً ببابها       تُلاعِبُهُ عِنْـدَ الصبـاحِ الولائِـدُ
وغيمٌ كطيَّـاراتِ طفـلٍ يَشُدُّهـا       بِخَيْـطٍ فَيُدْنـي بينَهـا وَيُبَاعِـدُ
يَظَلًّ عليها عاكفاً مِثْـلَ مُحْـرِم       يَرَى نَفْسَهُ مِنْ مَكَّةٍ وَهْوَ وَافِـدُ
وتُنْقَشُ في جُدْرانهـا كـلُّ آيـةٍ       فتَرْتَدُّ في نحرِ الليالـي المكايِـدُ
ومِن حَولِها الخيلُ العِتاق تجمَّعَتْ       بِـلا لُجُـمٍ مُسْتَأْنَسَـاتٌ أَوَابِـدُ
خُيولٌ أطاعـت راكِبيهـا محبـةً       وَلَيْسَ لها حتَّـى القِيَامَـةِ قائِـدُ
وَلَيْسَتْ بأطلالٍ ولَسْـتُ بِشَاعِـرٍ       ولكنَّنـي فيهـا لأهلِـيَ رائِــدُ
أراها قريباً ليسَ بينـي وبينَهـا       سِـوَى قَصْـفِ هـذا الليـل...


____________________
18-7-2006 © تميم البرغوثي
القصيدة منشورة بتصريح من الشاعر.

التسميات: ,